فصل: تفسير الآيات (11- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلما سمع بنيامين قام فسجد ليوسف وقال: أيها الملك، سل صواعك هذا، أحيّ أخي ذاك أم لا؟ فنقرها يوسف ثم قال: نعم هو حي، وسوف تراه. قال: اصنع بي ما شئت، فإنه أعلم بي. فدخل يوسف عليه السلام فبكى ثم توضأ، ثم خرج. فقال بنيامين: أيها الملك، إني أراك تضرب بصواعك الحق، فسله من صاحبه؟ فنقر فيه ثم قال: إن صواعي هذا غضبان، يقول: كيف تسألني من صاحبي وقد رأيت مع من كنت، وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا، فغضب روبيل فقام فقال: أيها الملك، والله لتتركنا أو لأصِيحَنَّ صيحةً لا تبقى امرأة حامل بمصر إلا طرحت ما في بطنها، وقامت كل شعرة من جسد روبيل، فخرجت من ثيابه، فقال يوسف لابنه مرة: مر إلى جنب روبيل فمسه مسة فذهب غضبه، فقال روبيل: من هذا؟!.. إن في هذه البلاد لبزرًا من بزر يعقوب. قال يوسف عليه السلام: ومن يعقوب؟ فغضب روبيل فقال: أيها الملك، لا تذكرَنَّ يعقوب، فإنه بشرى لله ابن ذبيح الله ابن خليل الله، فقال يوسف عليه السلام: أنت إذًا كنت صادقًا، فإذا أتيتم أباكم فاقرؤوا عليه مني السلام وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ابنك يوسف، حتى يعلم أبوكم أن في الأرض صديقين مثله. فلما أيسوا منه وأخرج لهم شمعون وكان قد ارْتَهَنَهُ، خلوا بينهم نجيًا يتناجون بينهم، قال كبيرهم- وهو روبيل ولم يكن بأكبرهم سنًا ولكن كان كبيرهم في العلم-: {ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين}. فأقام روبيل بمصر، وأقبل التسعة إلى يعقوب عليه السلام فأخبروه الخبر فبكى وقال: يا بني ما تذهبون من مرو إلا نقصتم واحدًا. ذهبتم فنقصتم يوسف، ثم ذهبتم الثانية فنقصتم شمعون، ثم ذهبتم الثالثة فنقصتم بنيامين وروبيل: {فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا إنه هو العليم الحكيم وتولى عنهم وقال يا أسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم} من الغيظ. {قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين} الميتين. {قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون}. قال: أتى يوسف جبريل عليه السلام وهو في السجن فسلم عليه وجاءه في صورة رجل حسن الوجه طيب الريح نقي الثياب فقال له يوسف: أيها الملك الحسن الوجه الكريم على ربه، الطيب ريحه، حدثني كيف يعقوب؟ قال حزن عليك حزنًا شديدًا.
قال فما بلغ من حزنه، قال حزن سبعين مثكلة. قال فما بلغ من أجره قال أجر سبعين شهيدًا. قال يوسف عليه السلام: فإلى من أوى بعدي؟ قال إلى أخيك بنيامين. قال فتراني ألقاه؟ قال نعم. فبكى يوسف عليه السلام لما لقي أبوه بعده ثم قال: ما أبالي بما لقيت أن الله أرانيه. قال: فلما أخبروه بدعاء الملك أحست نفس يعقوب وقال: ما يكون في الأرض صديق إلا ابني فطمع قال: لعله يوسف. قال: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه} بمصر: {ولا تيأسوا من روح الله}. قال: مِنْ فَرَجِ الله أن يرد يوسف، فلما رجعوا إليه: {قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل} بها كما كنت تعطينا بالدراهم الجيدة: {وتصدق علينا} تفضل ما بين الجياد والرديئة. قال لهم يوسف- ورحمهم عند ذلك-: {ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي}. فاعتذروا إليه،: {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم} لا أذكر لكم ذنبكم: {يغفر الله لكم}، ثم قال ما فعل أبي بعدي؟ قالوا عمي من الحزن. {فقال اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين}. قال يهوذا أنا ذهبت بالقميص إلى يعقوب عليه السلام وهو متلطخ بالدماء وقلت: أن يوسف قد أكله الذئب، وأنا أذهب بالقميص وأخبره أن يوسف عليه السلام حي فأفرحه كما أحزنته. فهو كان البشير، فلما: {فصلت العير} من مصر منطلقة إلى الشام وجد يعقوب عليه السلام ريح يوسف عليه السلام فقال لبني بنيه: {إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون}. قال له بنو بنيه: {تالله إنك لفي ضلالك القديم} من شأن يوسف،: {فلما أن جاء البشير} وهو يهوذا، ألقى القميص على وجهه: {فارتد بصيرًا}. قال لبنيه: {ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون} ثم حملوا أهلهم وعيالهم فلما بلغوا مصر كلم يوسف عليه السلام الملك الذي فوقه، فخرج هو والملك يتلقونهم فلما لقيهم قال: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين}. فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه أباه وخالته ورفعهما: {على العرش}. قال: السرير، فلما حضر يعقوب الموت أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم. فمات فنفخ فيه المر، ثم حمله إلى الشام وقال يوسف عليه السلام: {رب قد آتيتني من الملك} إلى قوله: {توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين}.
قال ابن عباس رضي الله عنهما هذا أول نبي سأل الله الموت وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم مفرقًا في السورة.
وأخرج ابن جرير ثنا وكيع ثنا عمرو بن محمد العبقري عن أسباط عن السدي وقال ابن أبي حاتم حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا الحسين بن علي ثنا عامر بن الفرات عن أسباط عن السدي به.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إذ قالوا ليوسف وأخوه} يعني بنيامين، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه. وفي قوله: {ونحن عصبة} قال العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {ونحن عصبة} قال: العصبة الجماعة. وفي قوله: {إن أبانا لفي ضلال مبين} قال: لفي خطأ من رأيه.
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)}
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه عنه في قوله: {قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف} قال: كنا نحدث أنه روبيل وهو أكبر إخوته، وهو ابن خالة يوسف.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف} قال: هو شمعون.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب} قال: قاله كبيرهم الذي تخلف. قال: والجب، بئر بالشام: {يلتقطه بعض السيارة} قال: التقطه ناس من الأعراب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وألقوه في غيابة الجب} يعني الركية.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه، قال: الجب البئر.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وألقوه في غيابة الجب} قال: هي بئر ببيت المقدس. يقول في بعض نواحيها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه قال: الجب الذي جعل فيه يوسف عليه السلام بحذاء طبرية، بينه وبينها أميال.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ {تلتقطه بعض السيارة} بالتاء. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا}
قوله تعالى: {أَرْضًا}: فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن تكون منصوبة على إسقاط الخافض تخفيفًا أي: في أرضٍ كقوله تعالى: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ} [الأعراف: 16]، وقوله:
...................... ** كما عَسَل الطريقَ الثعلبُ

وإليه ذهب الحوفيُّ وابن عطية. والثاني: النصب على الظرفية. قال الزمخشري: أرضًا منكورةً مجهولةً بعيدةً من العمران، وهو معنى تنكيرها وإخلائِها من الناس، ولإِبهامِها من هذا الوجه نُصِبَتْ نَصْبَ الظروفِ المبهمة. وقد رَدَّ ابن عطية هذا الوجه فقال: وذلك خطأ؛ لأنَّ الظرفَ ينبغي أن يكون مبهمًا، وهذه ليست كذلك بل هي أرضٌ مقيَّدة بأنها بعيدة أو قاصِيَةٌ أو نحو ذلك، فزال بذلك إبهامُها ومعلومٌ أنَّ يوسفَ لم يَخْلُ مِن الكون في أرضٍ، فتبيَّن أنهم أرادوا أرضًا بعيدة غيرَ التي هو فيها قريبٌ مِنْ أبيه.
واستحسن الشيخ هذا الردَ وقال: وهذا الردُّ صحيح لو قلت: جلست دارًا بعيدة أو مكانًا بعيدًا لم يصحَّ إلا بواسطة في، ولا يجوز حَذْفُها إلا في ضرورةِ شعرٍ، أو مع دَخَلْت على الخلاف في دَخَلْت أهي لازمةٌ أم متعديةٌ؟.
قلت: وفي الكلامَيْن نظرٌ؛ إذ الظرفُ المبهم عبارة عَمَّا ليس له حدودٌ تَحْصُره ولا أقطارٌ تحويه، و{أرضًا} في الآية الكريمة من هذا القبيل.
الثالث: أنها مفعولٌ ثانٍ، وذلك إنْ تَضَمَّن {اطرحوه} أَنْزِلوه، وأَنْزِلوه يتعدَّى لاثنين قال تعالى: {أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا} [المؤمنون: 29]. وتقول: أَنْزَلْت زيدًا الدار.
والطَّرْح: الرَّمْي، ويُعَبَّر به عن الاقتحام في المخاوف. قال عُرْوة بن الورد:
ومَنْ يَكُ مثلي ذا عيالٍ ومُقْتِرًا ** من المال يَطْرَحْ نفسَه كلَّ مَطْرَحِ

و{يَخْلُ لكم} جوابُ الأمر، وفيه الإِدغام والإِظهار، وقد تقدَّم تحقيقُهما عند قوله تعالى: {يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام} [آل عمران: 85].
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)}
قوله تعالى: {فِي غَيَابَةِ}: قرأ نافع {غَيابات} بالجمع في الحرفين مِنْ هذه السورة، جُعِل ذلك المكانُ أجزاءً، وسُمِّي كلُّ جزء غَيَابَة، والباقون بالإِفراد وهو واضحٌ. وابن هرمز. كنافع إلا أنه شَدَّد الياءَ. والأظهرُ في هذه القراءة أن يكون سُمِّي باسم الفاعل الذي للمبالغة فهو وصفٌ في الأصل. وألحقه الفارسيُّ بالاسم الجائي على فَعَّال نحو ما ذكر سيبويه من الفَيَّاد. قال ابن جني: ووجَدْت من ذلك الفَخَّار: الخَزَف وقال صاحب اللوامح: يجوز أن يكون على فَعَّالات كحَمَّامات، ويجوز أن يكونَ على فَيْعالات كشيطانات جمع شَيْطانة، وكلٌّ للمبالغة.
وقرأ الحسن: {غَيَبَة} بفتح الياء، وفيها احتمالان، أحدهما: أَنْ تكونَ في الأصل مصدرًا كالغَلَبة. والثاني: أن يكونَ جمع غائب نحو: صانع وصَنَعَة. قال الشيخ: وفي حرف أُبَيّ {غَيْبة} بسكون الياء، وهي ظلمة الرَّكِيَّة. قلت: والضبطُ أمرٌ حادثٌ فكيف يُعرف ذلك في المصحف؟ وقد تقدَّم نحوٌ من ذلك فيما تقدم.
والغَيَابة: قال الهرويٌّ: شِبْهُ لَجَفٍ أو طاقٍ في البئر فُوَيْق الماء يغيب ما فيه عن العيون. وقال الكلبي: الغَيَابة تكون في قَعْر الجُبِّ؛ لانَّ أسفله واسعٌ ورأسَه ضيق فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه. وقال الزمخشري: هي غَوْرُه وما غابَ منه عن عَيْن الناظر وأظلمُ مِنْ أسفلِه، قال المنخل:
فإنْ أنا يَوْمًا غَيَّبَتْني غَيابتي ** فسِيْروا بسَيْري في العَشيرة والأهلِ

أراد: غَيابةَ حُفْرته التي يُدْفن فيها. والجُبُّ: البئر التي لم تُطْوَ، وتَسْمِيتُه بذلك: إمَّا لكونه محفورًا في جَبُوب الأرض أي: ما غَلُظ منها، وإمَّا لأنه قُطِعُ في الأرض، ومنه الجَبُّ في الذَّكَر.
وقال الأعشى:
لَئِنْ كنت في جُبٍّ ثمانين قامَةً ** ورُمِّيْتَ أَسْبابَ السماء بسُلَّمِ

ويُجْمع على جِبَبَة وجِباب وأَجْباب.
قوله: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة} قرأ العامَّة {يَلْتَقِطُه} بالياء من تحت وهو الأصل. وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة بالتاء مِنْ فوق لتأنيث المعنى، ولإِضافته إلى مؤنث، وقالوا: قُطِعت بعض أصابعه، وقال الشاعر:
إذا بعضُ السنينَ تَعَرَّقَتْنا ** كفى الأيتامَ فَقْدَ أبي اليتيمِ

وقد تقدَّمَ الكلامُ بأوسعَ مِنْ هذا في الأنعام والأعراف. ومفعول فاعلين محذوفٌ أي: فاعلين ما يُحَصِّل غَرَضَكم.
والسَّيَّارة، جمع سَيَّار، وهو مثالُ مبالغة.
والالتقاط: تَنَاوُلُ الشيءِ المطروحِ، ومنه: اللُّقَطة واللَّقِيط. وقال الشاعر:
ومَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ التِقاطا

اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ}.
أي يخْلُصْ لكم إقبالُ أبيكم عليكم، وقديمًا قيل: مَنْ طَلَبَ الكُلَّ فَاتَه الكلُّ؛ فلمَّا أرادوا أن يكون إقبالُ يعقوب عليه السلام بالكليَّةِ- عليهم قال تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ} [الأعراف: 93].
ويقال كان قَصْدُهم ألا يكونَ يوسف عليه السلام أمامَ عينه فقالوا: إمَّا القتلُ وإمَّا النَّفيُ، ولا بأسَ بما يكونُ بعد ألا يكونَ يوسف عليه السلام.
قوله جلّ ذكره: {وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}.
عَجَّلوا بالحرام، وَعلَّقُوا التوبةَ بالتسويف والعزم، فلم يمحُ ما أَجَّلُوا من التوبة ما عجَّلوا من الحَوْبة.
ويقال لم تَطِبْ نفوسُهم بأن يذهبوا عن بابِ اللَّهِ بالكليَّة فدبَّروا لُحسْنِ الرجوع قبل ارتكاب ما دعته إليه نُفُوسُهم، وهذه صفة أهل العرفان بالله.
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)}
إخوةُ يوسف- وإنْ قابلوه بالجقاء- مَنَعَتْهُم شفقةُ النَّسَبِ وحُرْمةُ القرابةِ من الإقدام على قتله؛ فقالوا لا تقتلوه وغَيِّبُوا شَخْصَه.
ويقال إنما حَمَلَهم على إلقائه مرادُهم أن يخلوَ لهم وجهُ أبيهم، فلمَّا أرادوا حصولَ مرادهم في تغييبه لم يبالغوا في تعذيبه.
ويقال لمَّا كان المعلومً له- سبحانه- في أمر يوسف تتليغَه إياه تلك القربة ألقى الله في قلبِ قائلهم حتى قال: {لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ}.
ثم إنه- وإن أبلاه في الحال- سَهَّلَ عليه ذلك في جَنْبِ ما رقَّاه إليه في المآل، قال قائلهم:
كم مرةٍ حَفَّت بِكَ المكارِه ** خَارَ لَكَ اللَّهُ- وأنت كاره

اهـ.

.تفسير الآيات (11- 15):

قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)}